الحلُّ الرائِع للضغط النفسي الفاجِع
ما هو الضغط النفسي، أنواعه وكيف نتعامل مع الضغط النفسي اللحظي
حينٌ من الدّهرِ
يأتي على الانسان حين من الدهر تُمطر عليه ابتلاءات من الله سبحانه وتعالى، ولا يوجد منّا من يسلم منها فهذه سنّة الله في هذا الكون، يرسل أقداره وابتلاءاته تمحيصا تارةً أو عقابا تارة أخرى أو تمهيدا لخير أعظم ورحمة مبطنّة لا يراها إلا من تشبّع وجهه بنور الإيمان وقذف الله في قلبه التسليم له سبحانه. هذه الأقدار تتفاوت من أقدار لحظية إلى أقدار طويلة الأمد (كما سنرى). ومن تمام عدل ربنا سبحانه أنّه لا يكلف نفسا إلا وسعها، فعلى قدْر هذه الأقدار خلقَ الله في الانسان قدرة وجهازا يهيئ الجسم لها ونحن علينا أن نتعلم كيف ندير هذا الجهاز، وهو يدعى جهاز الضغط النفسي. وسأتحدث عنه في هذا المقال القصير موضَحا بعض سوء الفهم اتجاهه ومعرّفاً إياه وسأفصل في التعامل مع أحد أنواعه، مستكملا الباقي في مقالات منفصلة.
نُضْغطُ لِنتَوازن
في الوضع الطبيعي البيئة الداخلية للإنسان (الجسم والعقل) تكون في حالة توازن مع البيئة الخارجية (المحيط والبشر) بحيث أنّ هناك توافق وانسجام وتوقّع لما يحدث وهذا يسمح للإنسان أن ينشغل بما يفعله من مهام وهو آمن ومطمئن، ولكن أحياناً يختل هذا التوازن، وشكل هذا الاختلال بأن تكون البيئة الخارجية غير مطمئنة بسبب تهديد معين قد يكون نفسي أو مادي، والبيئة الداخلية ما زالت في حالة اطمئنان، فأصبح هناك عدم توافق بين البيئتين وهذا شيء خطير لأنّه إذا كان هناك مهدّد حقيقي للإنسان والانسان لا يتجاوب معه فقد يقتله، وهنا يأتي دور الضغط النفسي بحيث أنّه هو جهاز داخلي عام يقوم بتنشيط لكامل الجسم من الناحية العقلية والجسمانية ويحوّل البيئة الداخلية من مطمئنة إلى متهيجة ويقظة لكي يحصل توافق مع البيئة الخارجية التي هي متهيجة أيضا وبالتالي يتصرف الانسان بشكل يزيل به هذا التهديد وعندما ترجع البيئة الخارجية إلى اطمئنانها يتوقف جهاز الضغط النفسي ثم ترجع البيئة الداخلية أيضا إلى اطمئنانها فتتزن البيئتان مرة أخرة ويرجع الانسان إلى انسجامه الذي يسمح له بالرجوع إلى مهامه التي كان يفعلها.
ما قد تلاحظه أنه في الحقيقة الضغط النفسي ليس بالشيء الضار وإنما هو في الحقيقة نافع ومفيد للجسم بل مهم وجوهري للغاية في استمرار عيش الانسان. اذاً من أين أتت هذه السمعة السيئة عن الضغط النفسي، هل هو كذب واشاعات وخداع من شركات الأدوية أم هناك قصة أخرى لا نفهمها؟ نتابع.
عملةٌ واحدةٌ، وثلاثةٌ وُجوه!
للإجابة عن هذا السؤال دعنا أولا نستعرض أنواعا للضغط النفسي نفهم بها أوجهه المتعددة:
ضغط نفسي لحظي: هو الضغط الذي يحصل آنيةً وبشكل سريع بسبب تهديد معين مباشر وقد يستمر لساعات أو يومين بشكل أقصى على حسب نوع هذا المهدد، وإذا تمت إدارته بشكل مناسب وجيد فهو صحي للغاية وأيضاً على النقيض إذا لم يتعلم الانسان إدارة هذا النوع فقد يعاني كثيرا ويتعطل في أمور حياته.
ضغط نفسي متوسط المدى: هو الذي يستمر لمدة أيام أو أسابيع إلى شهرين والشخص يكون في حالة كبيرة من الضغط النفسي إلى درجة يصل فيها إلى الأحد ألأعلى من التحمل، ولكن ما يمتاز به هذا النوع من الضغط أنّ العارض أو المهدد في متناول الشخص وتحت قدرته إذا سعى لذلك وتعلم الإدارة السليمة وهذا سيحوّل الضغط إلى شيء صحي يزيد من مهاراته ويحسن من جسده أو سينقلب الأمر عليه ويهلكه إذا فشل في الإدارة.
ضغط نفسي طويل المدى (مزمن): هو الذي يستمر لفترات طويلة تستمر لسنوات متعددة وتجد أن الشخص تواجهه آفات قاهرة ابتلاه به الله سبحانه وتعالى مُقعداً مشيئةً من الله ليمتحنه فيها (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) أو ليعاقبه بها بسبب ذنوبه (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)، أو قد تواجهه تحديات صغيرة لكن يهملها فتتراكم عليه على المدى الطويل وتصبح كالحصى الصغير الذي تجمع وأصبح جبلا محمولا على ظهره. ومضار هذا الضغط كبيرة للغاية وكارثية إن لم يتعلم إدارته بالشكل الصحيح.
سنتحدث عن كل نوع بشكل يسير ومفصّل وممتع بإذنه سبحانه في مقالات منفصلة لكي أسّهل على القارئ استشراب المعلومة واحتسائها بشكل يجعلها تعلق في ذاكرته ويبدأ بتطبيقها، مقال اليوم سنسهب في الحديث عن الضغط النفسي قصير المدى.
الضغط النفسي اللحظي: كيف تجعله من عدوٍ لدود إلى وليٍ حميم
عندما يبعث الله مهددا أو عارضاً بشكل مفاجئ يأتي تكليف الإنسان بأن يفعل الأسباب لكي يدفع هذا الأمر، وهذا من أحد منابع التكليف الدنيوية وهو أنّ الانسان في حالة كدح مستمر في مهامه الحياتية إلى أن يتوفاه الله (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ). ولكي يقوم الإنسان بفعل الأسباب بشكل سليم ومناسب يحتاج أن يكون أولا في الحالة النفسية التي تضع هذا الضغط المفاجئ في إطار محكم وبشكل سريع ومباشر يسمح للنفس باتخاذ القرارات الجيدة وتكون حذرة ومراقبة لمنافذ الشيطان التي قد تفسد عليها قراراتها. وهنا يأتي دور الأداة القوية جدا والفعالّة بل الأفضل تأثيرها يكون بشكل لحظي ومباشر وسأشرح السبب بشكل علمي مفصّل أيضا، وهو قد لا يتوقعه الكثير بالذات من يستنبط كثيرا من عاداته اليومية من المنتوج الغربي، وهذه الأداة ليست فقط كذلك بل نعيم في هذه الدنيا وفي الجنّة أيضا وهي ذكر الله سبحانه وتعالى.
(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)
تسلسلٌ فِيسيُولوجي
كلّما كان التأثير على الضغط النفسي مباشرا كلّما زادت الفعالية في التحكم به، ومن أحد الثغور التي يمكن الدخول من خلالها لنظام الضغط النفسي مباشرة هو التنفس. فعند حصول الضغط النفسي يزداد معدل نبضات القلب ويزداد معدّل التنفس، وإذا أردنا أن نضبطه فعلينا الدخول عليه من نفس الكيفية وهي بالتحكم في معدل التنفس ونبضات القلب وهذا يحدث بشكل فعّال عند ذكر الله بيقين وروّية، وللشرح وتسهيل الفهم نتخيّل هذه القصة التي سنوضَح فيها الأمر. تابع معي التسلسل بتأني وركز جيدا:
بُعبُع الجامِعة
كنت تمشي في أروقة الجامعة ومن ثم مررت بلوحة الإعلانات ووجدت أنّه تم تعليق جدول الامتحانات والذي سيبدأ الأسبوع القادم وانت لست بجاهز له، في هذه الحالة دماغك صنّف جدول الامتحانات كمهدد للحياة وجبَ التصرف معه، فتبدأ بالتوتر وتتسارع نبضات قلبك ويزداد تنفسك وتعرق وترتبك ومن ثمّ تقرر أ، تذكر الله وتقول مثلاً "لا حول ولا قوة إلّا بالله" بيقين وتدبّر وفهم لمعناها وأنّه في الأصل الله هو الذي يمدّ بالقوة والقدرة لفعل كل شيء وأنّك فقط عبد تستعين به وتطلب منه، في هذه الحالة تقوم منطقة في المخ تدعى القشرة القبل-أمامية الدماغية بإعادة ترتيب سياق الحدث وأنّه في الحقيقة أنت بخير لأنه لديك مصدر قوة وقدرة لا نظير له ولا مثيل له ولا كفؤ له وبل هو المتصرف في كل شيء، فترسل اشارة إلى المنطقة المسؤولة من التنفس فيقل مستوى تنفسّك ويتغير نمطه ويصبح زفيرك أطول من شهيقك، ومع تكرار هذا يبدأ الحجاب الحاجز بالارتفاع إلى الأعلى فتندفع الرئة لأعلى أيضا وهذا بدوره يجبر القلب أن يقلص من حجم نفسه فيزداد دفع الدم لأنّ الشرايين أصبحت أضيق (جرب أن تمسك خرطوم ماء وأن تضيق الفتحة وستلاحظ سرعة اندفاع الماء) في هذا الحالة تقوم عقدة عصبية موجودة في القلب بإرسال اشارات إلى الدماغ تعلمه أنّ اندفاع الدم زائد عن حدّه فيأمر الدماغ عضلات القلب أن تقلل من قوة الضخ وسرعته فالبتالي نبضات قلبك التي كانت متسارعة في بداية الأمر بسبب جدول الامتحانات تباطأت ورجعت إلى الحالة الطبيعية الهادئة ومن ثمّ أنت أيضا ستهدأ.
نستنتج أنّ كان هناك ثلاثة فوائد في ذكر الله سبحانه (زيادةً على الأجر ورضاه تبارك وتعالى) وهما:
إعادة تعديل السياق العام للحدث وتصحيح استقبال الانسان وفهمه للواقع
خروج الانسان عن الماديات وتخليه عن اعتماده على الأسباب ومن ثمّ ارتباطه بخالقه وتسليم الأمر له.
إعادة تنظيم فيسيولوجية لسائر تركيبات الجسم وأعضائه بشكل مرتّب وبديع وكأنّها انصاعت للذكر وفهمته أيضاً (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه ِلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)
فجرّب هذا الأمر والتزم بذكر الله سبحانه في حالات الضغط النفسي المفاجئ واجعل زفيرك أطول من شهيقك وسترى النتائج بأم عينيك، هذا ذكر كان يقوله النبي ﷺ أحبُه جدا وكان يقوله عند الكربات:
لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ .
وليٌ حميم
ذكرتٌ آنفا أن التعامل مع هذا الضغط بشكل سليم، سيجعله صحي للغاية ويعمل صالحك، دعني أوضح لك كيف يبدو ذلك:
أثر جسدي بتحسين قوة الجهاز المناعي بتحفيز مناطق في العقل التي بدورها تحفز الطحال الذي بدوره ينشط خلايا في الجهاز المناعي تزيد من قوته.
زيادة التركيز وحدته بسبب افراز الأدرينالين وزيادة نبضات القلب وتوسع بؤبؤ العين ونشاط الدماغ بشكل عام.
الشيء المثير جدا للاهتمام أنّ هذا النوع من الضغط النفسي مفيد جدا إلى درجة أن الشخص قد يدمنه ويصبح معتمد عليه في أداء ما عليه، فتجد مثلا الطالب الجامعي يتماطل ويتكاسل عن دراسته أو أداء واجباته إلى اللحظة الأخيرة لكي يشعر بالضغط النفسي ويتحفز وينتشي بهذا الضغط وينشط لأداء المطلوب وأغلبنا وقع في هذا الأمر ولو مرة.
أجب على السؤال
هذا والحمدُ لله رب العالمين. سنستكمل بقية أنواع الضغوط النفسية في المقالات المقبلة، سيكون هناك سؤال في نهاية كل مقال وسؤال اليوم:
ما هو الذكر الذي يتسابق فيه اثني عشرَ ملكَاً ليرفعه إلى الله سبحانه؟
وأيضا ماذا استفدت من هذه المقالة وما رأيك بها؟ واكتب لنا ذكراً عالقا في بالك أو تكثر منه، وإذا اعجبك المحتوى فشارك هذه المدونة مع من تحب.
Just on time,
It's a kind reminder that we have a big support system if we rely on ALLAH in every thing.
Many thanks indeed.
الذكر هو لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
م متأكدة .
المقالة جت في وقتها لاني انا بتجيني حالات قلق وتوتر وم بعرف اضبط نفسي كيف جربت اي حاجة تشغلني ، الحاجة التانية انا متطوعة وياخد بتدريب دعم نفسي فبستفيد من المقالات دي . ربنا يجعلك خيراً للناس وانفعهم .